تسجيل دخول

اسم الدخول:
كلمة السر:

احصائيات الزوار

668 - مجموع الزوار
الاخبار والمقالات :: المقالات
article

أخطاء السلطان والأنظمة الحكومية بين التوهين .... والتهوين

 

أخطاء السلطان والأنظمة الحكومية
بين التوهين .... والتهوين
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عليكُمْ أُمَرَاءُ، فَتعرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقد بَرِئ، وَمَن أَنْكَرَ فقد سَلِمَ، ولكن مَنْ رَضي وتَابَعَ» ، قالوا: أفَلا نُقَاتِلُهمْ؟ قال: «لا، مَا صَلُّوا».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من طبيعة العمل البشري النقص والقصور، والناس بعد ذلك ما بين مقلًّ ومستكثر من الخطأ والتقصير بداية بـ(الزلة) وانتهاء بـ(الظلم والبغي والعدوان).
وأبى الله أن يكون الكمال إلا له، ولما جاء عن الله من (دينٍ) و(كتبٍ) و(رسلٍ) فلا يعتريهم النقص والقصور فيما يحقق ما أمر الله تعالى وما أراده ديناً وقدراً.
وعامة الناس وخاصتهم كلما تمسكوا بما جاء الله به كان لهم النصيب الكبير من (الكمال البشري) مقابل من كان بعيداً عن دين الله تعالى.
فكُمّل المكلفين هم الذين امتثلوا بأوامر الله واجتنبوا نواهيه، ثم يبدأ النقص والقصور في المكلّف بمقدار بعده عن ربه عز وجل واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه لمحارم الله وشرائعه.
وإن (حكَّام المسلمين) و(أنظمة الحُكم) مهما بلغت من الجهد البشري إلا إنها عرضة للنقص والتقصير في (السياسة والتطبيق) مما لا يسلم منه الجنس البشري عادة.
ونحن اليوم في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية - أدامها الله تعالى على طاعته، وزادها من فضله، وأصلح حال الراعية والراعية وألّف بين قلوبهم- نعيش ولله الحمد في (حكمٍ إسلاميٍّ) لا يجحده إلا مكابر، من حيث:
[1] أساس الحكم.
[2] وكثيرٍ من (وقائع التطبيق والتنفيذ).
وليس في الوجود دولةٌ جعلت الإسلام هو (المصدر الأساسي) في حكمها ونظامها وسياستها غير هذه الدولة المباركة حفظها الله، ومع ذلك لا تدعي هي لنفسها الكمال بلسان المقال من حكامها؛ والحال من نظامها، فالخطأ والتقصير وارد وواقع، وأجمل ما سمعته من مقالة بعض الفضلاء في بلادنا:
أنها ليست كــامــــلــة ... ولكنّها اليوم الأكــمــل
وهذا حق، والمنصف الصادق لا يجحد ما عندها من حقٍ وخيرٍ مقابل ما خالفوا فيه وقصروا، أو ما خالف ما يشتهيه هذا الجاحد!
وكل ما أثنوا به على بلادٍ غيرها فهو في بلادنا وأكمل نظاماً وحكماً.
وكل ما ذموا بها دولةً فهو قليلٌ فينا نظاماً وحكماً.
لأن مبدأنا الأساسي هو (الإسلام) وتحكيم شرع الله تعالى بما في (الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة) وما من حقٍ وخيرٍ في الدنيا إلا وسبق الإسلام إليه (تشريعاً وإقراراً) وما من شرٍّ في الوجود إلا وسبق الإسلام بالتحذير منه (تشريعاً وإنكاراً).
ونحن في دولة الإسلام فنحن السابقون إلى ذلك من حيث (المبدأ) و(سياسة الحكم) ولكن ربما يحصل فينا القصور عند (التطبيق والعمل) ومثل هذا يكون فيه النظر والنقد إلى (التطبيق والعمل) وتقصير (العامل والمطبق) لا إلى (أصل الدين وكماله).
إذا تقرر ذلك؛ فإن بلادنا فيها أنواعٌ وضروبٌ من العيوب والنقائص التي انقسم الناس فيها إلى قسمين في الجملة:
أحدهما: استغلها (لتوهين الحَاكم).
والثاني: استغلها (لتهوين الحُكْم).
وكلاهما على طرفي نقيض من الخطأ والضلال، وأبعد ما يكونوا عن صدق النصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.
أما الفريق الأول: فمهما كان الخطأ والتقصير، إلا ويسارع به ويذيع، وقصده (عيب الحاكم) و(الطعن فيه) و(اتهام ولايته بالقصور والضعف والغش والخيانة) وقد رأيتُ من هذا الجنس عجباً حتى فيما لا يُدفع من أقدارِ الله المؤلمة كالحريق والغرق وأشباههما من المحن، فيحمّل تبعات آثارها (الحاكم) وكأن الأمر بيده!
ويزداد الأمر سوءً إذا صاحب هذا: فجورٌ وجورٌ، وتزييفٌ للحقائق، ومبالغةُ في الوقائع، كلُّ ذلك لتوغير قلوب الرعية على الراعي، وتأليبِهِم عليه، وحملِهم على الخروج عن طاعته.
ويزدادُ الأمر سوءً فوق سوءٍ إذا علِمَنا أن هؤلاء يخدمون جهات معادية للإسلام والمسلمين، فيسارعون في كلِّ فتنة وبلية، ويكذبون ويفترون كما تلَّقف المنافقون حادثة الإفك، وسارعوا بالتهمة للبيت النبوي، وما قصدهم غيرةً على عرضٍ، ولا حرصاً على شرف، وإنما هو المكر والخبث والخديعة.
ومثلُه ما حصل من صنيع الخوارج مع عثمان رضي الله عنه، عندما افتروا عليه وزوروا كتباً على لسانه فأنكر ذلك، فلم يكفهم إنكاره، وقالوا: (إن كنت كتبته فقد خنت! وإن كنت لم تكتبه فقد عجزت! ومثلك لا يصلح للخلافة: إما لخيانتك وإما لعجزك!).
[البداية:10/311 ] وتأمل رد ابن كثير هناك فما أحسنه.
فمن أراد القدح والعيب فلن تقنعه الأعذار، فهمه إثبات الخطأ على من يكره، وتحميله التبعات.
وهذا الجنس على طرفٍ من الخطأ والضلال، والفساد منه مجلوب، والخير عنه محجوب، ولن تجني الأمة من وراء جنسه إلا (ضعف هيبة الحاكم) و(الخروج عليه) وفتح أقفال أبواب الفتن والبلايا والشرور، كيف وقد أمروا بالصبر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، والنصيحة في السرّ، وعدم التشهير بالسلطان، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكرام الخليفة، وحذر من إهانته والتطاول عليه.
والفريق الثاني: أكثر خطراً وأعظم شراً، وهم الذين يزيّنون الباطل، ويهونون من الشر، بل ربما زاد الأمر سوءً فالتمسوا له المبررات الشرعية، فنقلوه من حدِّ الحرام والإجرام إلى دوحةِ الحلال والمباح والمستحب! وهؤلاء (جنودُ إبليس في جثمان البشر) وهم (بطانة السوء) وأعوانهم (من دعاة الضلالة) ومن جِنْسهم من غلب عليه طلب مصلحة الجماعة، والميل للصلاح، فسكت عن المنكر والخطأ، وآثر عدم الخوض فيه، مع أن أبواب حلوله الشرعية موجودة، وأسباب إنكاره المرضية ممهودة، ولكنهم أخلدوا إلى الأرض، وحرموا أنفسهم والمسلمين من الخير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذين الجنسين "مجموع الفتاوى" (35 / 31) : «فأقوام نظروا إلى ما ارتكبوه من الأمور المنهي عنها؛ فذموهم وأبغضوهم. وأقوام نظروا إلى ما فعلوه من الأمور المأمور بها فأحبوهم. ثم الأولون ربما عدوا حسناتهم سيئات. والآخرون ربما جعلوا سيئاتهم حسنات».
فالفريق الأول: غلب على قلوبهم الكُرْهُ والحسدُ والمخالفةُ: فأهلموا الحسنات، وحجبوا النظر إلى المصالح، وغلّبوا جانب السيئات وطلب العقوبة عليها.
والفريق الثاني: غلب في قلوبهم الحبُّ وطلبُ الدنيا والموافَقةُ، فأهلموا السيئات وحجبوا النظر إلى الأخطاء والمفاسد، وغلَّبوا جانب الحسنات فسوَّغوا بها كل خطيئة!
[سبـــيــل النــــجاة]
والعدل أحق أن يُعدَلَ إليه، والحق أحقُّ أن يُحْكَم بِهِ عند كلّ مسلم نزيه، وهو أن ينكر على السلطان والنظام (المنكر) ولا يُقبل من (الحاكم) وحقُّهُ علينا (النصيحة بالمعروف) وبما رسمه لنا النبي صلى الله عليه وسلم من خطة نبوية حكيمة فيما رواه الإمام أحمد من حديث عياض بن غنم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبديه علانية وليأخذه بيده ولينصحه، فإن ائتمر وإلا فقد أدى الذي له علانية» وهو حديث صحيح، ولا يفتح باب الفتنة، ولا يفرّق بين صفوف المسلمين، هذا إذا كان المنكر صدر من السلطان وبيده، أما إن كان من عموم الرعية فيناصحهم بالوعظ والترهيب والترغيب والإرشاد والتوجيه عن طريق الخُطب والمواعظ والكتب وما تيسر.
وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الشرط المفيدة للعموم يوجب الامتثال من كلِّ مستطيع بأن ينكر المنكر حيث قال: «من رأى منكم منكراً فليغيره».
والمراد بالرؤية:
[1] رؤية النظر.
[2] ورؤية العلم والخبر.
فمن بلغه منكرٌ من المنكرات، وثبت لديه وقوعه ونكارته، وهو يستطيع إنكاره بيده أو بلسانه وجب على من تقوم به الكفاية إنكار هذا المنكر بالطرق الشرعية المرضية، وبالخططِ النظامية الرسمية.
فتلك ثلاث مسالك من مواقف الناس مع السلطان، مع رابعٍ ذُكر في إشارات الكلام وهو مسلك من وسعه السكوت.
فالحاصل أربع مسالك بيّنها المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال فيما رواه الإمام مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عليكُمْ أُمَرَاءُ، فَتعرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقد بَرِئ، وَمَن أَنْكَرَ فقد سَلِمَ، ولكن مَنْ رَضي وتَابَعَ» ، قالوا: أفَلا نُقَاتِلُهمْ؟ قال: «لا، مَا صَلُّوا».
[1] فريق وسعه الكُره بقلبه فكَرِه، فهو على سبيل نجاة.
[2] وفريقٌ أنكر بما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم- فهو على سبيلِ نجاة.
[3] وفريقٌ رضي وتابع على المنكر! فهذا قد هَلَك وأهْلَك.
[4] وفريق حمل السلاح، وقدّم بمقدماته من التشهير والتعيير والتوغير، وهذا قد هَلَك وأهْلَك.
فليلتزم المسلم بما أوجب الله تعالى عليه ويجتنب محارمه وما يثير الفتن ويجلب الشرور.
نسألُ الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح الراعي والرعية، وأن يجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
الطائف
17 ربيع الآخر 1434هـ
عدد الزيارات : 3270
اسم الكاتب : ادارة الموقع